وهم ترشح تركيا لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي
جنكيز أكتار
ينتهز الحكام الأتراك كل فرصة لتجاهل أساسيات الاتحاد الأوروبي بادعاء تفرد تركيا، إن لم يكن تفوقها. وقد أصبح نموذج الاتحاد عائقا في مواجهة تزايد استبداد نظام شمولي أصبح فيه التعسف في حكم الفرد الواحد هو القاعدة.
واختفى منظور الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من أجندة تركيا السياسية تماما منذ مطلع سنة 2021. حيث أصبحت النزعة المعادية للغرب المغروسة منذ قرون في السياسة التركية سائدة وأصبح تقريع الغرب الموضوع المفضل في السياسية التركية. وترفض أنقرة عضوية الاتحاد الأوروبي من خلال تصرفاتها وتصريحاتها، حتى عندما تبث تصاريح لإغراء مقرضي “الأموال الساخنة” أو لإغراء أوروبا باسترضاء تركيا. ولا تعني العضوية في الاتحاد الأوروبي الكثير بالنسبة للمعارضة.
ولقد أصبحت العلاقات الثنائية مع السياسيين في دول الاتحاد الأوروبي ومع الرأي العام في أدنى مستوياتها، مع مواجهة السطة التركية أي إعلان أو عمل لا يُرضيها باتهامات “النازية” و”الفاشية”.
وأدخلت بعض الحكومات (مثل النمسا وألمانيا) نقض عضوية تركيا في استراتيجية العمل الحكومية. كما أبلغت باريس قرارا مماثلا لأنقرة مباشرة. واليوم يعرف كل صانع قرار أوروبي أن تركيا، وفقا لمصطلحات بروكسل، لا تمتثل لمعايير كوبنهاغن الإلزامية لكل دولة مرشحة.
وانعكس هذا بالفعل في استنتاجات المجلس، في 26 يونيو 2018، بعد يومين من الانتخابات الرئاسية التي أكملت تغيير النظام. وأشار المجلس إلى أن تركيا تتحرك بعيدا عن الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فقد أوصلت مفاوضات انضمام تركيا لى التكتل إلى طريق مسدود ولا يمكن النظر في أي فصول أخرى لفتحها أو إغلاقها، ولا يُتوقع المزيد من العمل نحو تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
كما لا يرقى الإعلان إلى نهاية رسمية لمفاوضات العضوية حيث بدا الوصول إلى الإجماع صعبا لخشية بعض الدول الأعضاء استعداء تركيا علنا لأسباب متنوعة. ومع ذلك، نجد استبعاد تركيا مذكورا بشكل غير مباشر في العديد من الوثائق الرسمية. ولم يعد هناك حوار سياسي حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، باستثناء صفقة اللاجئين.
ولم تعد مفاوضات العضوية اليوم أولوية لاتفاق ضمني بين الأطراف، وتكتفي أنقرة الآن بمتابعة مسألتين هما مراجعة الاتحاد الجمركي والتنازل عن تأشيرة شنغن لمواطنيها.
وكان الاتحاد الجمركي قائما منذ 1 يناير 1996، ولطالما احتاج إلى مراجعة. فقد تآكلت المزايا التي حصلت عليها تركيا بعد ذلك على مر السنين. وكان الاتحاد الجمركي خطوة قبل العضوية الكاملة. لكن الأمر أصبح بلا جدوى بسبب مشاكل الترشح للعضوية. ومع الجمود العميق في العلاقات الرسمية، يصبح المضي قدما في أي مراجعة غير وارد.
ومع ذلك، لا يزال بعض صانعي القرار الأوروبيين يحلمون بجعل مراجعة الاتحاد الجمركي مشروطة بالحوكمة الاقتصادية والسياسية الجيدة، كما هو مطروح من خلال ما يسمى بـ”الأجندة الإيجابية”. لكنهم يميلون إلى نسيان كيف أن قوانين النظام معادية لأوروبا، مما يجعل أي تفاعل قائم على القواعد والقيم غير وارد وغير قابل للتطبيق.
ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي إبرام صفقات المعاملات المتعلقة بمصالحه وأمنه مع تركيا بسهولة، فهي لا تشعر بأنها ملزمة بأي شروط عضوية أو شراكة. ومن الآن فصاعدا، يبدو الرهان على التزامات الاتحاد الأوروبي (وحلف شمال الأطلسي)، على سبيل المثال، لتخفيف التوترات مع الجيران غير مناسب، حيث يؤدي فشل محاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء إنجازات العشرين عاما الماضية فيما يتعلق بحسن الجوار مع الدول الأعضاء، ولا سيما اليونان. ويبقى الخطاب العدواني والإجراءات التي اتُخذت في السنوات الأخيرة ضد عدد من دول الاتحاد الأوروبي والسياسيين والمواطنين إشارات قوية على هذا الدافع.
مع أخذ كل هذا بعين الاعتبار، تتعارض طريقة عمل أنقرة مع قواعد الاتحاد الأوروبي ومعاييره وقيمه ومبادئه، مما يشكل عقبات أمام أداء النظام “السلس”. وبالمثل، لا يمكن إصلاح النظام في أنقرة لهذا السبب.
ولا تقتصر التحركات التركية أحادية الجانب على العلاقات السياسية أو الدبلوماسية. حيث تتبع مشروعين عملاقين للبنية التحتية، ولهما تأثير مباشر على دول الاتحاد الأوروبي دون تقييم الأثر البيئي الواجب للمضي قدما. ويتمثّل المشروع الأول في محطة أكويو للطاقة النووية، التي شيدتها روساتوم الروسية في منطقة زلزال. والثاني هو “قناة إسطنبول”، وهو ممر مائي اصطناعي بجوار مضيق البوسفور يعتبره المجتمع العلمي قاتلا لحوض البحر الأسود بأكمله، ومُضرّا بالبلدان المشاطئة والأنهار التي تغذيه وبحر مرمرة وغيره.
ولا ينفع استرضاء النظام في أنقرة باعتبار أنه لا يزال ضمن المجتمعات الأوروبية والأطلسية، فهو يزيد من استغلال رجب طيب أردوغان للقلق الغربي ويمدد دورة حياة نظامه.
لقد أصبح النظام في أنقرة قضية أمنية لأوروبا والغرب، ويحتاج إلى التعامل معه بطريقة مناسبة.