أزمة طاحنة داخل النهضة الإخونجية في تونس
الغنوشي يواجه انتقادات كبيرة داخل حزبه واتهامات باحتكار الحزب وتمويلاته والتفرّد بالقرارات
اتسعت جبهة المعارضة من داخل حركة النهضة الإخونجية في تونس، لبقاء راشد الغنوشي على رأسها، وعلت الأصوات التي تدعو لاستبعاده من هذا المنصب وعدم تمديد ولايته لفترة ثالثة، في خطوة تدلّ على تصاعد حالة الرفض والاختناق الناجمة عن طموحات الغنوشي الذي عمّر طويلا في قيادتها.
ورفض الغنوشي أمس الخميس دعوة 100 قيادي من حزبه بعدم الترشح لرئاسة الحركة في المؤتمر القادم المرتقب عقده قبل نهاية العام الحالي، وبرزت إلى السطح نيته تنقيح قانون يمنعه من الترشح لفترة نيابية أخرى لضمان بقائه على رأس الحركة، ما يفتح الباب نحو أزمة طاحنة داخل النهضة، بسبب بتمسك الغنوشي بالسلطة.
ويواجه الغنوشي انتقادات كبيرة داخل حزبه واتهامات باحتكار الحزب وتمويلاته والتفرّد بالرأي من قبل قيادات معارضة له باتت تشكل أغلبية بالحركة، وتدعوه إلى التنحي عن منصبه واحترام النظام الداخلي للحزب.
وبدأت تحركات الإطاحة بالغنوشي داخل النهضة الإخونجية، منذ شهر مايو الماضي، عندما طالبت مجموعةٌ من قيادات الصفّ الأوّل للحركة أطلقت على نفسها مجموعة “الوحدة والتجديد” بضمان التداول القيادي في الحركة، بما يسمح بتجديد نخبها وذلك وفق مقتضيات نظامها الأساسي والأعراف الديمقراطية وسلطة المؤسسات.
وضمّت المجموعة آنذاك، كلا من رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية رفيق عبد السلام (صهر الغنوشي)، ومسؤول المكتب السياسي نور الدين العرباوي، ومسؤول مكتب الانتخابات محسن النويشي، ونائب رئيس مجلس الشورى مختار اللموشي، ومسؤول مكتب المهجر فخر الدين شليق، ونائب رئيس مكتب العلاقات الخارجية سهيل الشابي، ومسؤول المكتب النقابي محمد القلوي، وآخرين.
وتعد مسألة انتخاب رئيس جديد للحركة في المؤتمر القادم المتوقع عقده قبل نهاية العام الحالي، من أكثر المسائل الخلافية داخل حركة النهضة التي انقسمت إلى تيارين، أحدهما يرى في بقاء الغنوشي ضرورة ملحة لاستقرار الحزب في هذا الظرف المتوتر التي تشهده الساحة السياسية الداخلية والإقليمية، وجبهة معارضة تدعو إلى تغييره وضخ دماء جديدة في الحركة.
وعلى إيقاع معركة خلافة الغنوشي، شهدت النهضة نزيف استقالات في الأشهر الماضية، احتجاجا على تسلّط الغنوشي واحتكاره للقرار وانفراده بالرأي، أبرزها استقالة الرجل الثاني للحركة ونائب رئيسها عبد الفتاح مورو، وقائدها التاريخي عبد الحميد الجلاصي وأمينها العام زياد العذاري، وقبله رياض الشعيبي وزبير الشهودي وحمادي الجبالي، فضلا عن استقالة قيادات شبابية، مثل زياد بومخلة وهشام العريض، وهي الاستقالات التي عكست حالة الانقسام والتشتتّ والتصدّع الذي تعيشه الحركة هذه الفترة.
وفي السياق، توقع المحلل السياسي عبد الرحمن زغلامي، استمرار الاستقالات والانقسامات داخل حركة النهضة في حال تمّسك الغنوشي بالبقاء على رأس الحزب لفترة أخرى، مشيرا إلى أن هذ السيناريو هو الأقرب للحدوث رغم تصريحات الغنوشي التي أكد فيها أنه سيحترم قانون الحزب.
وتابع زغلامي، أن الغنوشي ورغم تقدمه في السنّ لن يتنازل ويترك منصبه بسهولة، وقد يجد حيلة لتعديل القانون الذي يمنع ترشحه لولاية أخرى ويصدر فتوى تجعل من مستقبل الحزب ومصلحته رهين قيادته له، بدعم من التيّار القوّي الذي يقف في صفّه ويدفع للإبقاء عليه، خاصة داخل مجلس الشورى.
كما أضاف المتحدث نفسه، أن خروج رئيس النهضة أمر مستبعد، خاصة أنّ تمويلات الحركة ولوبياتها وعلاقاتها مع تنظيم الإخوان المسلمين تتمحور حول شخصه ويتفرّد بها، رغم أنّ هذا السيناريو قد يدفع بالنهضة إلى مزيد من التصدّع والتفكّك، مرجحا أن يتم في هذه الحالة الدفع بأحد قياداتها لخلافته شكليا، مع الإبقاء على جميع الصلاحيات الممنوحة للغنوشي، وذلك لامتصاص حالة الغضب والاحتقان داخل الحركة.
من جانبه رأى المحلل السياسي بسام الحمدي، أن الغنوشي لن يرمي المنديل بسهولة وينسحب من رئاسة الحركة، مرجحا أن يقوم باستبعاد القيادات المتململة والمعارضة لاستمراره من سلطة القرار، رغم أن هذه الخطوة قد تدفع بالنهضة نحو المجهول ومزيد من التفكك والتشظي، والتي قد تصل إلى تكوين حزب آخر ينبثق عن النهضة يضمّ القيادات المعارضة للغنوشي.
أما بخصوص دوافع توسع دائرة المعارضة للغنوشي داخل حركة النهضة، فأكد الحمدي، أن ذلك مردّه لوجود مخاوف وهواجس من تغوّل عائلة الغنوشي ومحاولة سيطرتها على الحزب، عبر صهره، رفيق بوشلاكة وابنته سميّة، التي يبدو أن لها طموحات سياسية أيضا بعد ظهورها مؤخرا في مشاريع إعلامية.
كما أضاف أن هناك حالة من عدم الرضا داخل النهضة من خيارات الغنوشي واستفراده باتخاذ القرارات التي تهم الشأن الوطني وتهمّ تحالفات النهضة، حتى إن هناك عدم رضا على تحالفها الأخير مع حزب “قلب تونس”، إضافة إلى الاتهامات الموجهة إليه بسيطرته على موارد الحزب المالية.
وتابع الحمدي مؤكدا أن الضغط الذي تقوده قيادات النهضة على الغنوشي ضغط جدّي يعكس وجود إرادة داخل الحركة لإزاحة الغنوشي الذي يحملوه مسؤولية تآكل الخزان الانتخابي للحزب وفشله في الانتخابات الرئاسية الماضية، من قيادة النهضة.
الأوبزرفر العربي